للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القياس من الفوارق أو النصوص أو غيرها، بل جميع مدارك الشرع كذلك لا يجوز التمسك بشيء منه إلا بعد بذل الجهد فى نفى المعارض، وهل له معارض يقدم عليه أم لا؟

فإذا غلب على ظنه عدم المعارض حينئذ يعتمد على المجتهد، وإلا فلا حتى اشترط فى رتبة الاجتهاد تلك الشروط العظيمة التى عجز عنها أهل الاعصار المتأخرة، ولو أن الظفر بالدليل فقط يبيح الفتيا بموجب ذلك الدليل، لكان العامى يتيسر له ذلك، بل لا بد من بذل الجهد، ولا يكفى بذل الجهد مع قلة الإحاطة بوجوه الحجاج الشرعية، ومواقع الخلاف والإجماع، وجميع ما يتوقع من الاطلاع عليه يقويه، أو خل من فنون النحو واللغة، ووجوه نصب الأدلة وتركيبها، فبذل الجهد حينئذ مبيح للفتيا، وأما بذل الجهد مع القصور والتقصير، فلا ينفع بذل الجهد شيئا.

وأما عدم النظر ألبته، فلو قيل: "إنه خلاف الإجماع" ما أبعد قائلة.

وأما قوله: "إن طلب المجاز فى العرف غير واجب":

فجوابه: لأن الناس فى العرف يكتفون فى معايشهم بأيسر الأسباب، وأولى مراتب الظنون، فإنه لا تقوم المعيشة إلا بالاكتفاء بذلك، ولو اشترط أهل العرف فى معيشتهم ما شرط فى فتاوى الشريعة، بطلت عليهم معيشتهم، وفسد حالهم.

وأما منصب الاجتهاد فى تقرير الشرائع على جميع الخلائق إلى قيام الساعة، وإباحة الدماء، والفروج، والأعراض، والأموال ــ فلا يقرر قاعدة منها إلا بعد بذل الجهد فى جميع الطرق التى يمكن أن يستعان بها جلباً، أو دفعاً، نفيا ً أو إثباتاً، ولا يعتمد على بادـ الراى، وأوائل النظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>