قوله تعالى:(إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك) الحجر: ٤٢.
وقوله تعالى عن إبليس:(ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منم المخلصين) الحجر: ٣٩ ـ ٤٠.
قلنا: لا يلزم القاضى من الآية إلزام؛ لأن القاضى يقول: إن الاستثناء، إنما شرع فى الكلام؛ لإخراج ما عساه لا يشعر به المتكلم، وذلك فى غاية الندرة؛ لأنه يصير الكلام منتقضاً باطلاً فيما استثنى، وهذان المدركان لا يوجدان فى الاثنين؛ لأن ذلك، إنما يتحقق حالة الخطاب، وكونه معلوما ً حينئذ وأن المتكلم مقدم عليه مع علمه، وحالة قول إبليس كذلك، لم يكن فى ظاهر الحال يعلم المخلصين منهم، فلو ظهر الكل مخلصين، لم يكن فى عرف الاستعمال مقدماً على القدر من الكلام، ولا ناقصاً لقوله.
وأما قوله تعالى:(إلا من اتبعك) الحجر: ٤٢. فهو غير معلوم للخلق حينئذ، وإن كان الله ـ تعالى ـ يعلم المتبع من غيره، غير أن خطاب الله ـ تعالى ـ يجرى على القانون العربى، فكل ما لو تكلم به العرب، كان سائغاً، كان ذلك فى القرآن على ذلك الوجه، وخصوص الربوبية لا تنقض استعمال اللغات؛ ألا ترى أن كلمة "إن" لا يعلق عليها المحتمل المشكوك فيه، والله ـ تعالى ـ: ذلك فى حق محال، مع أنها فى القرآن فى غاية الكثرة، وما المحسن لها إلا كون المتكلم، لو كان عربياً، لحسن ذلك، فكان صدورها عن الله ـ تعالى ـ حسناً عربيا، وخصوص الربوبية لا مدخل له فى ذلك، فتأمل هذا المعنى، فهو محتاج إليه فى كثير من الكتاب العزيز، فظهر أن الاثنين لا يلزم القاضى منها سؤال، وإنما كان يلزمه أن لو كان ذلك معلوماً للخلق عند النطق بذلك الكلام، كما ينكره القاضى فى قول القائل: له عشرة إلا تسعة.