قلنا: للحنفية أن يقولوا: الخمسون غير محكوم عليها بالنفى فى هذه الآية، ولا تنافى بين كونها غير محكوم عليها فى هذه الآية، وكونها منفية فى نفس الأمر، ويعلم نفيها بدليل غير هذه الآية، وكذلك تمثيله كون الاستثناء من النفى إثباتاً بقوله تعالى:(إن عبادى ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك) الحجر: ٤٢.
يقولون: المتبع غير مخبر عنه بالسلطنة من هذه الآية، وتكون السلطنة عليهم معلومة من غير هذه الآية.
قاعدتهم: أن المستثنى أبداً غير محكوم عليه بشيء، وقد يكون حكمه معلوماً من غير الاستثناء.
قوله:"بين الحكم بالنفى، والحكم بالإثبات واسطة، وهى عدم الحكم ":
قلنا: قد قرر هذا فى "المعالم" بأبسط من هذا؛ فقال: الأحكام الخارجية إنما تثبت بواسطة الأحكام الذهنية، فإذا صرفنا الاستثناء إلى الصور الذهنية، أفادها بغير واسطة، وإلى الأحكام الخارجية، لا تفيدنا إلا بوسط، يريد أن الإنسان إذا قال: قام القوم، أو ما قام القوم، أنما يفهم من ذلك ابتداءً أنه يعتقد ذلك، ثم يقول: ظاهر حاله الصدق، فيكون زيد ليس قائماً فى الخارج، أو قائماً، فصار حكمنا بأنه قائم بعد حكمنا بأن المتكلم اعتقد لك، وإذا صرفنا الاستثناء إلى الأحكام الذهنية، يكون معناه: الحكم على كل واحد من القوم إلا زيداً، لا أحكم {به} عليه فى هذه القضية، فيكون غير محكوم عليه؛ فيجوز أن يكون موافقاً للمستثنى منه فى حكمه، وأن يخالفه، ويكون الاستثناء لا يصرف لما هو مستغن عن الواسط، وإذا صرفناه للأحكام الخارجية، صرفناه لما هو محتاج للأحكام الذهنية، وبوسطها، والاستغناء عن الوسط أرجح، ويرد عليه أن المتبادر فى العرف هو الأحكام الخارجية، والأصل عدم النقل، كما أن الأصل عدم الوسط، فيتعارض الأصلان، وتبقى المبادرة سالمة عن المعارض.