قوله:"لو لم يكن الاستثناء من النفى إثباتاً {لما كانت كلمة التوحيد تفيد} بمفردها التوحيد" وإنما يقولون: أحتفت به القرائن والمقاصد، واشتهر أن هذا هو المقصود؛ فلذلك أفادت الوحدانية، لا اللفظ بما هو لفظ، ومن زعم أن هذه الصيغة تتجرد عن هذه القرائن، فهذا بعيد عن الإنصاف.
قوله:"لا نكاح إلا بولى ولا صلاة إلا بطهور" يدل على أن الاستثناء من النفى ليس إثباتاً":
قلنا: الاستثناء يقع من خمسة أشياء:
من الأحكام؛ نحو: ما قام القوم إلا زيداً.
ومن العلل والأسباب؛ نحو: لا عقوبة إلا بجناية.
ومن الشروط؛ نحو: لا صلاة إلا بطهور.
ومن الموانع؛ نحو: لا تسقط الصلاة عن المرأة إلا بالحيض.
ومن الأمور العامة، والأزمنة، والبقاع، والمحال، ومن الأحوال؛ كقوله تعالى، حكاية عن يعقوب عليه السلام:(لتأتننى به إلا أن يحاط بكم) يوسف: ٦٦. أى: فى كل حال من الحالات، إلا فى حالة الإحاطة، وقد تقدم تمثيل البقية، والأمور العامة؛ فحيث قال العلماء رضى الله عنهم: إن الاستثناء من النفى إثبات: إنما هو فيما عدا الشروط؛ فإنه تقدم أن الشرط يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ فإن وجود الوضوء لا يلزم منه صحة الصلاة، ولا عدم صحتها، وكذلك الولى فى النكاح؛ فلا يلزم من القضاء بعدم المشروط حالة عدم الشرط ـ القضاء بثبوت المشروط حالة ثبوت الشرط بمجرده، فجميع الأقسام بقول العلماء: الاستثناء من النفى إثبات، إلا فى الشروط، فلا يحتج فى الشروط على أن الاستثناء من النفى ليس إثباتاً؛ فإنها مستثناة من القاعدة،