ومنهم من نازع فى تخصيص العموم بدليل العقل، والأشبه عندى أنه لا خلاف فى المعنى؛ بل فى اللفظ.
أما أنه لا خلاف فى المعنى: فلأن اللفظ، لما دل على ثبوت الحكم فى جميع الصور، والعقل منع من ثبوته فى بعض الصور: فإما أن نحكم بصحة مقتضى العقل والنقل؛ فيلزم صدق النقيضين؛ وهو محال.
أو نرجح النقل على العقل؛ وهو محال؛ لأن العقل أصل النقل؛ فالقدح فى العقل قدح فى أصل النقل، والقدح فى الأصل؛ لتصحيح الفرع، يوجب القدح فيهما معاً.
وإما أن نرجع حكم العقل على مقتضى العموم، وهذا هو مرادنا من تخصيص العموم بالعقل.
وإما البحث اللفظى: فهو أن العقل، هل يسمى مخصصاً أم لا؟
فنقول: إن أردنا بالمخصص الأمر الذى يؤثر فى اختصاص اللفظ العام ببعض مسمياته، فالعقل غير مخصص؛ لأن المقتضى لذلك الاختصاص هو الإرادة القائمة بالمتكلم، والعقل يكون دليلاً على تحقيق تلك الإرادة؛ فالعقل يكون دليل المخصص، لا نفس المخصص، ولكن على هذا التفسير؛ وجب ألا يكون الكتاب مخصصاً للكتاب، ولا السنة للسنة؛ لأن المؤثر فى ذلك التخصيص هو الإرادة، لا تلك الألفاظ.
فإن قيل: لو جاز التخصيص بالعقل، فهل يجوز النسخ به؟ قلنا: نعم؛ لأن من سقطت رجلاه، سقط عنه فرض غسل الرجلين؛ وذلك إنما عرف بالعقل.