وعن الرابع: أن الأصوليين اعتمدوا في الجواب على حرف واحد، وهو أن العقل ليس يأبي ذلك، وإنما فصلنا بينهما؛ لإجماع الصحابة على الفصل بينهما؛ فقبلوا خبر الواحد في التخصيص، وردوه في النسخ.
وهذا الجواب ضعيف؛ لأنا بينا أن الذي عولوا عليه في أنهم قبلوا خبر الواحد في التخصيص- ضعيف.
وإذا ثبت ذلك، فنقول: ثبت بما ذكرنا أن القياس يقتضى أنه لو قبل خبر الواحد في التخصيص، لوجب قبوله في النسخ، وثبت بالاتفاق أنهم ما قبلوه في النسخ؛ فوجب أن يقال: إنهم ما قبلوه في التخصيص أيضًا؛ ضرورة العمل بالدليل.
والجواب الصحيح لا يحصل إلا بذكر الفرق بينهما، وهو: أن التخصيص أهو من النسخ، ولا يلزم من تأثير الشيء في الأضعف تأثيره في الأقوى، والله أعلم.
تنبيه: فأما قول عيسى بن أبان، والكرخي، فمبنيان على حرف واحد، وهو أن العام المخصوص عند عيسى مجاز، والعام المخصوص بالدليل المنفصل مجاز عن الكرخي، وإذا صار مجازًا، صارت دلالته مظنونة، ومتنه مقطوعًا، وخبر الواحد متنه مظنون، ودلالته مقطوعة؛ فيحصل التعادل.
فأما قبل ذلك، فإنه حقيقة في العموم؛ فيكون قاطعًا في متنه، وفي دلالته؛ فلا يجوز أن يرجح عليه المظنون.
فهذا هو مأخذهم، والكلام عليه هو ما تقدم، والله أعلم.