والجواب عن الأول أنا لا ندعي تخصيص العموم بكل ما جاء من أخبار الآحاد؛ حتى يكون ذلك علينا؛ وإنما نجوزه بالخبر الذي لا يكون راويه متهمًا بالكذب والنسيان، وهذا الشرط ما كان حاصلًا هنا؛ لأن عمر- رضي الله عنه- قدح في روايتها بذلك؛ فلم يكن قادحًا في غرضنا؛ بل هو بأن يكون حجة لنا أولى؛ وذلك لأن عمر- رضي الله عنه- بين أن روايتها إنما صارت مردودة؛ لكون الراوي غير مأمون من الكذب والنسيان، ولو كان خبر الواحد المقتضي لتخصيص الكتاب مردودًا كيفما كان، لما كان لذلك التعليل وجه.
وعن الثاني: أن ما ذكرتموه يقتضي ألا يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة، فإن قلتم: إن ما يقتضي تخصيص الكتاب، لا يكون على خلافه قلنا: في مسألتنا ذلك بعينه.
وعن الثالث: أن البراءة الأصلية يقينية، ثم إنا نتركها بخبر الواحد؛ فبطل قولكم:(إن المقطوع لا يترك بالمظنون).
ثم نقول: لا نسلم حصول التفاوت؛ وبيانه من وجهين:
الأول: أن الكتاب مقطوع في متنه، مظنون في دلالته؛ والخبر مظنون في دلالته، فلم قلتم: إنه حصل التفاوت بينهما؛ على هذا التقدير؟!
الثاني: أن الدليل القاطع، لما دل على وجوب العمل بالخبر المظنون، لم يكن وجوب العمل مظنونًا؛ لأن تقدير ذلك: أن الله تعالى قال: (مهما حصل في قلبكم ظن صدق الراوي، فاقطعوا أن حكمي ذلك).
فإذا وجدنا ذلك الظن، واستدللنا به على الحكم، كنا قاطعين بالحكم؛ وإذا كان كذلك، فلم قلتم: إن التفاوت حاصل على هذا التقدير؟