فإن قلتم:(ما أجمعوا) فقد سقط دليلكم، وإن قلتم (أجمعوا) فلم لا يجوز أن يقال: المخصص لهذه العمومات ذلك الإجماع؟
فإن قلت: لابد لذلك الإجماع من مستند هو هذه الأخبار؛ إذ رب إجماع خفي مستنده لاستغنائهم بالإجماع عنه.
سلمنا أن ذلك المستند هو هذه الأخبار؛ لكن لعل هذه الأخبار كانت متواترة عندهم، ثم صارت آحادًا عندنا.
واحتج المانعون بالإجماع، والخبر، والمعقول:
أما الإجماع: فهو: أن عمر- رضي الله عنه- رد خبر فاطمة بنت قيس؛ وقال:(لا ندع كتاب ربنا، وسنة نبينا؛ لقول امرأة لا ندري؛ لعلها نسيت أو كذبت).
وأما الخبر: فما روى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:(إذا روى عني حديث، فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه) والخبر الذي يخصص الكتاب، على مخالفة الكتاب؛ فوجب رده.
وأما المعقول: فوجهان:
الأول: أن الكتاب مقطوع به، وخبر الواحد مظنون؛ والمقطوع أولى من المظنون.
والثاني: أن النسخ تخصيص في الأزمان، والتخصيص تخصيص في الأعيان؛ فنقول: لو جاز التخصيص بخبر الواحد في الأعيان، لكان لأجل أن تخصيص العام أولى من إلغاء الخاص، وهذا المعنى قائم في النسخ؛ فكان يلزم جواز النسخ بخبر الواحد، ولما لم يجز ذلك، علمنا أن ذلك أيضًا غير جائز.