أحدها: أن الحكم المدلول عليه بالعموم معلوم، والحكم المدلول عليه بالقياس مظنون؛ والمعلوم راجح على المظنون.
وثانيها: أن القياس فرع النص، فلو خصصنا العموم بالقياس لقدمنا الفرع على الأصل؛ وإنه غير جائز.
وثالثها: أن حديث معاذ دل على أنه لا يجوز الاجتهاد إلا بعد فقد ذلك الحكم في الكتاب والسنة؛ وذلك يمنع من تخصيص النص بالقياس.
ورابعها: أن الأمة مجمعة على أن من شرط القياس ألا يرده النص، وإذا كان العموم مخالفًا له، فقد رده.
وخامسها: أنه لو جاز التخصيص بالقياس، لجاز النسخ به وقد تقدم تقريره.
والجواب عن الأول ما تقدم، وعن الثاني: أن القياس المخصص للنص يكون فرعًا لنص آخر؛ وحينئذ يزول السؤال.
فإن قلت: لما كان القياس فرعًا لنص آخر، فكل مقدمة لابد منها في دلالة النص على الحكم- كانت معتبرة في الجانبين، وأما المقدمات التي لابد منها في دلالة القياس، فهي مختصة بجانب القياس فقط.
فإذن إثبات الحكم بالقياس يتوقف على مقدمات أكثر، وبالعموم على مقدمات أقل، فكان إثبات الحكم بالعموم أظهر من إثباته بالقياس، والأقوى لا يصير مرجوحًا بالأضعف.
قلت: قد تكون دلالة بعض العمومات على مدلوله، أقوى وأقل مقدمات من دلالة عموم آخر على مدلوله.