أحدها: امتحان المكلف؛ حتى يظهر المتثبت الفاحص عن دينه الباذل لجهده في طلب البيان من المعرض المتواني في ذلك، فيعظم قد الأول دون الثاني.
وثانيها: أن خطاب الله - تعالى - تشريف لعباده، فكلما كثر خطابه، كثر تشريفه، وتلك نعمة عظيمة منه سبحانه وتعالى، ولذلك لما سأل الله - تعالى - موسى عليه السلام - فقال:{وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولىَ فيها مآرب أخرى}[طه: ١٧ - ١٨] فزاد في الجواب عما لم يسأل عنه، وقد كمل الجواب بقوله:{هي عصاي} وشرع يعلم الله - تعالى - بما هو به عليم، وما ذلك إلا لتكثير مناجاته لله تعالى، وتضاعف شرفه باستمرار حالة المخاطبة مع رب الأرباب، ولقد يفعل الإنسان ذلك مع ملوك الدنيا وعظمائها، فكيف مع الله تعالى؟!
وثالثها: أن ألفاظ القرآن بكل حرف منه عشر حسنات، كما جاء في الحديث الصحيح، فإذا كثرت التلاوة، كثرت الأجور.
ورابعها: أن المعنى، إذا ذكر أولاً بلفظ مجمل، ثم ذكر بلفظ مفصل، كان أوقع في النفس؛ فإن النفس تشتاق إلى تمامه بعدل إجماله، وحصول الشيء بعد الشوق إليه، وصورة المنع منه، أبلغ عند النفس من حصوله ابتداءً، ويكون إقبالها على المعنى وفهمه، أتم: لتوفر الداعية بسبب الشوق إليه.
قوله:(وقد يصل إليه المجمل دون البيان، وذلك سبب الحيرة):
قلنا: التقصير يكون من جهته، لا من جهة المتكلم؛ فإن البيان قد حصل من جهة المتكلم.