للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الخامسة

البيان كالمبين

قال القرافي: قوله: (بيان المجمل واجب على الرسول - عليه السلام - كان الفعل الذي تضمنه المجمل واجبًا أم لا، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق):

قلنا: لا نسلم لزوم تكليف ما لا يطاق؛ لأن البيان، إذا فرض غير واجب لا بد من مقدمة أخرى، وهي أن الفعل واجب علينا حالة عدم البيان؛ وحينئذ يلزم ذلك، فقد نفرض البيان غير واجب على النبي - عليه السلام - ويكون الفعل أيضًا غير واجب حالة عدم البيان، كما هو الواقع في الشريعة أنه لا يلزمنا العمل بالمجملات، بل إن وقع بيانها، وجب العمل بها، وإلا فجاز أن يكون الواقع ذلك، ويكون البيان مندوبًا عليه - صلى الله عليه وسلم - ولا يلزم من ذلك تكليف ما لا يطاق، ولا إجمال للأمر الوارد بطريق الإجمال؛ لأن البيان يقع غالبًا؛ لأن وصف الندب حادث على الفعل، وحاله - عليه السلام - تقتضي المبادرة إلى المندوبات، وعدم الإخلال بها.

أما إن كان المجمل يتضمن فعلاً غير واجب، فتكليف ما لا يطاق منفي أيضًا لما تقدم؛ ولأن المندوب لو ترك بعد البيان، لم يكن فيه حرج، فأولى قبل البيان، وإنما يلزم تكليف ما لا يطاق فيما يلزم من تركه عقاب.

وأما إن كان مباحًا، فبطريق الأولى، وكلامكم يتضمن هذه الأقسام؛ كقولكم: تضمن فعلاً واجبًا، أو غير واجب، ويندرج أيضًا المحرم والمكروه، فإنهما قد يردان بلفظ مجمل؛ فقد يقول السيد لعبده: حرمت عليك النظر للعين، وهو مشترك بين الباصرة والفوارة وغيرهما، فيتوقف العبد إلى عين البيان، ولا يرد البيان بكونه غير واجب مثلاً على السيد، فلا يقع العبد في المخالفة؛ لأنه قد علم أن ثم في هذه المسميات محرمًا، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>