المصور} [الحشر: ٢٤] فجعل المصور غير الخالق، فـ (ثم) هاهنا على حقيقتها، وبابها، و (ثم) الثانية على خلاف الحقيقة؛ فإن إسجاد الملائكة الذي ذكره نبأ واقع في الوجود قبل المذكور قبلها.
وكذلك قوله تعالى:{ثم كان من الذين آمنوا ...} الآية [البلد: ١٧] مع أن الإيمان يقع أولاً قبل الإعتاق والإطعام.
ومنه قول الشاعر [الخفيف]:
إن من ساد ثم ساد أبوه .... ثم قد ساد قبل ذلك جده
فسيادة الأب قبل الابن، وسيادة الجد قبل سيادة الأب، فاختلف النحاة والعلماء في هذه المواطن.
فقال بعضهم: دخلت هاهنا لتأخير الخبر مجازًا؛ فإنها وضعت للتأخير في الخبر، فاستعملت لتأخير المخبر مجازًا، وهذا باطل؛ لأن الإخبار بما بعدها لم يتراخ في الزمان والنطق عن الأول.
وقال المحققون: بل هذا من مجاز التشبيه.
وتقريره: أن الرتبة العلية متراخية عن الرتبة الدنية في شرفها، وبينهما بعد معنوي، فشبه البعد بين الرتبتين بالبعد بين الزمانين، فدخلت (ثم) للتراخي بين الرتبتين، فمرتبة الإيمان أعظم من رتبة ما معها، والإسجاد للملائكة كان أبدع في الوجود من أصل الخلق؛ لأنه مستمر مع الزمان، والإسجاد لمخلوق واحد بديع، وسيادة الأب كانت أبلغ من سيادة الابن، وسيادة الجد أبلغ من سيادة الأب، وذلك أبلغ في مدح المذكور أنه وإن كان عظيمًا فأبوه كان أعظم منه، وجده كان أعظم من أبيه؛ فإن هذا يدل على تأثُّل الرئاسة.