والجواب عن الأول: ما تقدم أن التأسي في إيقاع الفعل على الوجه الذي أوقعه عليه، فلو كان فعله واجبًا أو مباحًا، وفعلناه مندوبًا، لما حصل التأسي.
وعن الثاني: أنا لا نسلم أنهم استدلوا بمجرد الفعل، فلعلهم وجدوا مع الفعل قرائن أخرى.
وعن الثالث: لا نسلم أن فعل المباح عبث؛ لأن العبث هو الخالي عن الغرض فإذا حصلت في المباح منفعة ما، لم يكن عبثًا، بل من حيث حصول النفع به خرج عن العبث، فلم قلتم: بأنه خلا عن الغرض؟ ثم حصول الغرض في التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومتابعته في أفعاله بين؛ فلا يعد من أقسام البعث، والله أعلم.
واحتج القائلون بالإباحة: بأنه لما ثبت أنه لا يجوز صدور الذنب منه، ثبت أن فعله لابد أن يكون إما مباحًا، أو مندوبًا، أو واجبًا.
وهذه الأقسام الثلاثة مشتركة في رفع الحرج عن الفعل.
فأما رجحان جانب الفعل فلم يثبت على وجوده دليل؛ لأن الكلام فيه، وثبت على عدمه؛ لأن دليل هذا الرجحان كان معدومًا؛ والأصل في كل شيء بقاؤه على ما كان؛ فثبت بهذا أنه لا حرج في فعله قطعًا، ولا رجحان في فعله ظاهرًا.
فهذا الدليل يقتضي في كل أفعاله أن يكون مباحًا، ترك العمل به في الأفعال التي علم كونها واجبة أو مندوبة، فيبقى معمولًا به في الباقي.
وإذا ثبت كونه مباحًا ظاهرًا وجب أن يكون في حقنا كذلك- للآية الدالة على وجوب التأسي- ترك العمل به فيما كان من خواصه، فيبقى معمولًا به في الباقي.