القطع بالدوام بعد وفاته عليه السلام، لا جرم، استحال النسخ، فالجمع بين القطع بالدوام، وورود النسخ متعذر، فإن أراد انا نقطع بالدوام، لولا الناسخ، سلمناه؛ باعتبار الاعتقاد، لا باعتبار نفس الامر؛ لأن عندنا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فيجوز عندنا تكليف ما لا يطاق، وأن تنتهي مده الحكم، ولا يثبتها الله تعالى، وكذلك نقول في الكسر مع الانكسار في الآنية: إنه إنما يشبه النسخ؛ باعتبار الاعتقاد، لا باعتبار نفس الأمر، بل باعتبار نفس الأمر يمنع الشبه حينئذ؛ لأن الحكم عندنا في نفس الأمر مغيا بغاية معينة، وكذلك الملك في البيع، إنما يشبه بالنسخ؛ باعتبار الاعتقاد.
فقوله:" لا نعني بالرفع إلا هذا إن أراد باعتبار الاعتقاد ارتفع الخلاف بيننا وبينه، وإن اراد باعتبار نفس الأمر، منعناه.
الثانية: على قوله: " ليس الحكم هو الكلام، ومراد العلماء بالحكم في الحد غير مرادهم بالحكم هاهنا؛ لقولهم هاهنا: إن المرفوع هو حكم خطاب سابق، فجعلوا الخطاب دليل الحكم، لا جنسه الأعم ".
قلنا: هذا غير متجه؛ فإن مرادهم بالخطاب في الحد الكلام القديم، ومرادهم بالخطاب هاهنا دليل الحكم، وهذا لا ينافي قولهم: " إن الكلام القديم يستحيل رفعه، وأن الحكم هو الكلام هنا؛ باعتبار القديم، لا باعتبار الحادث الذي هو دليل الحكم، فهو رحمه الله أخذ يحذرنا من الاغترار بالاشتراك اللفظي، واغتر هو به في عين المسألة؛ فإنه توهم أن الحكم لفظ مشترك، وإنما وهمنا، فاعتقدنا أحد المعنيين، وهو عين المعنى الآخر، وليس كذلك، بل لفظ الخطاب مشترك، وهو انتقل من أحدهما إلى الآخر، ولم يشعر، فحذرنا من الوهم، فوقع فيه.
الثالثة: على قوله: " الحكم القابل للنسخ المنقسم للوجوب وغيره، وهو حالة شرعية، إلى قوله: " يرجع إلى اعتبار ذهني ".