بعد ذلك امرا الناس باتباع شرع محمد، عليه الصلاة والسلام، فعند ظهور شرع محمد، عليه الصلاة والسلام، زال التكليف بشرع موسى وعيسى، عليهما السلام، ووقع التكليف بشرع محمد عليه السلام لكنه لا يكون نسخا، بل يكون جاريا مجرى قوله تعالى:{ثم أتموا الصيام إلى الليل}[البقرة: ١٨٧].
والمسلمون الذين أنكروا وقوع النسخ بنوا مذهبهم على هذا الحرف، وقالوا: قد ثبت في القران أن موسى وعيسى، عليهما السلام، بشرا في التوراة والإنجيل بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وأنه عند ظهوره يجب الرجوع إلى شرعه، وإذا كان الأمر كذلك، امتنع تحقق النسخ، وهكذا جواب اليهود عن الإلزامين اللذين أوردناهما عليهم.
وأما ادعاء الإجماع، فكيف يصح بعد ما صح وقوع الخلاف فيه؟
والمعتمد في المسألة قوله تعالى:{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}[البقرة: ١٠٦] وجه الاستدلال به: أن جواز التمسك بالقران: إما أن يتوقف على صحة النسخ، او لا يتوقف؛ فإن توقف، عاد الأمر إلى أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لا تصح إلا مع القول بالنسخ، وقد صحت نبوته، فوجب القول بصحة النسخ.
وإن لم تتوقف عليه، فحينئذ: الاستدلال بهذه الآية على النسخ.
واحتج منكرو النسخ عقلا: بأن الفعل الواحد: إما أن يكون حسنا، أو قبيحا، فإن كان حسنا، كان النهي عنه نهيا عن الحسن، وإن كان قبيحا، كان الأمر به بالقبيح، وعلى كلا التقديرين: يلزم إما الجهل، وإما السفه.