الأول هو: أن الله تعالى، لما بين شرع موسى، عليه السلام، فاللفظ الدال عليه، إما أن يقال: إنه دل على دوام شرعه، أو ما دل عليه:
فإن كان الأول: فإما أن يكون قد ضم الله تعالى إليه ما يدل على أنه سينسخه، أو لم يضم إليه ذلك، فإن كان الأول: فهو باطل من وجهين:
الأول: أن التنصيص على اللفظ الدال على الدوام، مع التنصيص على انه لا يدوم جمع بين كلامين متناقضين، وإنه عبث وسفه.
الثاني: أن يكون على هذا التقدير: قد بين الله تعالى لموسى، عليه السلام، أن شرعه سيصير منسوخا، فإذا نقل شرعه، وجب أن ينقل هذه الكيفية:
أما أولا: فلأنه لو جاز أن ينقل أصل الشرع بدون هذه الكيفية، جاز في شرعنا أيضا ذلك، وحينئذ لا يكون لنا طريق إلى القطع بأن شرعنا غير منسوخ.
وأما ثانيا: فلأن ذلك من الوقائع العظيمة التي تتوفر الداعي على نقلها، وما كان كذلك، وجب اشتهاره، وإلا فلعل القران عورض، ولم ينقل، ولعل محمدا، عليه الصلاة والسلام غير هذا الشرع عن هذا الوضع ولم ينقل.
واذا ثبت وجوب نقل هذه الكيفية بالتواتر، وجب أن يكون العلم بتلك الكيفية كالعلم بأصل الشرع؛ حتى يكون علمنا بأن موسى، عليه السلام نص على أن شرعه سيصير منسوخا؛ كعلمنا بأصل شرعه ولو كان كذلك لعلم الكل بالضرورة أن من دين موسى، عليه السلام: أن شرعه سيصير منسوخا، ولو كان ذلك ضروريا لاستحال منازعة الجمع العظيم فيه، وحيث نازعوا فيه، دل ذلك على أنه، عليه السلام، ما نص على هذه الكيفية.