وأما القسم الثاني، وهو: أن الله تعالى ذكر لفظا يدل على الدوام، ولم يضم إليه ما يدل على أنه سيصير منسوخا، فنقول: على هذا التقدير، وجب ألا يصير منسوخا، وإلا لزمت محالات:
أحدها: أن ذكر اللفظ الدال على الدوام، مع أنه لا دوام، تلبيس، وهو غير جائز.
وثانيها: إن جوزنا ذلك، لم يكن لنا طريق إلى العلم بأن شرعنا لا يصير منسوخا؛ لأن أقصى ما في الباب أن يقول الشرع: هذه الشريعة دائمة، ولا تصير منسوخة قط ألبتة، ولكن إذا رأينا مثل هذا، مع عدم الدوام في بعض الصور، زال الوثوق عنه في كل الصور.
وثالثها: أنه مع تجويز مخالفة الظاهر، لا يبقى وثوق بوعده ووعيده وكل بياناته.
فإن قلت:" عرفنا بالإجماع، أو بالتواتر؟ ".
قلت: أما الإجماع: فلا يعرف كونه دليلا إلا بآية أو خبر، ولا تتم دلالتة الآية والخبر إلا بإجراء اللفظ على ظاهره، فإذا جوزنا خلافه، لا يبقى دليل الإجماع موثوقا به.
وأما التواتر: فكذلك؛ لأن غايته أن نعلم أن الرسول، عليه السلام، قال هذه الألفاظ، لكن لعله أراد شيئا يخالف ظواهرها.
وأما القسم الثالث: وهو أن يقال: إنه بين شرع موسى، عليه السلام، بلفظ لابدل على الدوام ألبتة، فنقول: مثل هذا لا يقتضي الفعل إلا مرة واحدة؛ على