ولذلك قلنا: العام يدخله التخصيص ما لم يعمل به، فيصير نسخًا؛ لأنه يتعين أنه ليس من باب المجاز، بل اللفظ حينئذ مستعمل في غير موضوعه، فتغييره نسخ.
فهذه المثل كلها غرور لا حجة فيها، بل الحق استحالة النسخ في الخبر المحض.
قوله:"دخول النسخ في الأمر يوجب البداء".
قلنا: بل الله تعالى عالم بغاية الحكم المنسوخ من قبل أن يشرعه، فلابداء، لأن البدء هو الظهور بعد الخفاء لقوله تعالى:{وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}[الزمر: ٤٧]{ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات}[يوسف: ٣٥] أي: ظهر، وذلك إنما يكون مع الجهل، والله تعالى بكل شيء عليم، فالبداء في حقه محال، والنسخ يوهمه؛ لأنه عالم بغاية الحكم قبل شرعيته.
وأما نسخ الخبر، فيلزم منه الخلف قطعًا كما تقدم بيانه.
وأما قولكم: إن نسخ الخبر يبين أن تلك الصورة غير مرادة بذلك الخبر فهو مجاز، وليس من باب النسخ في شيء؛ لأن النسخ هو رفع الشيء بعد أن تحققت فيه إرادة المتكلم بالإجماع، سواء فسرناه بالرفع، أو بالانتهاء؛ فإن المنتهى ثبتت إرادته باعتبار الزمن الماضي.
أما ما لم يرد أصلًا، فكيف يصح أن يكون فيه نسخ، وإنما ذلك من باب المجاز الصرف.
قوله:"إهلاك عاد لا يتكرر".
قلنا: وإذا كان الفعل مما يتكرر يئول أمره للتخصيص، وقد بينا أنه ليس بنسخ، فإذا سلمتم ذلك فيما لا يتكرر، فقد سلمتم؛ لأن الإرداة حينئذ موجودة هنالك، وهو موضع النزاع.