وأيضًا: فلفظ (المعرف) لو لم نحمله على الاستغراق، لوجب حمله على الماهية، ويكفي في العمل به ثبوته في صورةٍ واحدة، فيكون معناه: أنهم أمروا بمعروف واحد، ونهوا عن منكر واحد، وهذا القدر حاصل في سائر الأمم؛ لأن كل واحدٍ منهم قد كان آمرًا بمعروفٍ واحدٍ، وهو الدين الذي قبله، وناهيًا عن منكرٍ واحدٍ، وهو الكفر الذي رده.
وحينئذٍ: لا يثبت بذلك كون هذه الأمة خيرًا من سائر الأمم؛ لكن الله - تعالى - ذكره لبيان ذلك الحكم؛ فعلمنا أنه وجب حمله على الاستغراق؛ تحصيلا للغرض؛ فإنا لو لم نحمله على الاستغراق، ولم نحمله على الماهية كان ذلك مخالفًا للغة.
قوله:(الآية تقتضي الاتصاف بهذا الوصف في الماضي، أو الحاضر)؟:
قلنا: بل في الحاضر؛ لأن قوله:} تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر {[ال عمرن:١١٠] لا يتناول الماضي.
(قوله: لفظة} كنتم {تدل على الماضي).
قلنا: لا نسلم؛ لأن قوله:} كنتم {(إما أن تكون ناقصة، أو زائدةً، أو تامةً، فإن كانت ناقصةً فنقول: إنه، وإن أفاد تقدم كونهم كذلك؛ لكن قوله:} تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر {[آل عمران:١١٠] يقتضي كونهم كذلك في المستقبل، ودلالة قوله تعالى:} كنتم {على تقدم هذا الوصف لا يمنع من حصوله في المستقبل، فتبقي دلالة قوله:} تأمرون بالمعروف {على كونهم كذلك في المستقبل سليمةً عن المعارض، وأما الوجهان الآخران، فالاستدلال معهما ظاهر.