بيانه: أن من الجائز أن يتفق في بعض الأزمنة وجود قوم يستنكفون عن طاعة الغير، ويعلم الله تعالى منهم أنه متى نصب لهم رئيسًا، قصدوه بالقتل، وإثارة الفتن العظيمة، وإذا لم ينصب لهم رئيسًا، فإنهم لا يقدمون على القبائح، ولا يتركون الواجبات، فيكون نصب الرئيس في ذلك الوقت مفسدةً، ثم هذا، وإن كان نادرًا، إلا أنه لا زمان إلا ويجوز أن يكون هو ذلك الزمان النادر؛ وحينئذٍ لا يمكن الجزم بوجوب نصب الإمام في شيءٍ من الأزمنة.
فإن قلت: هذا مدفوع من وجهين:
الأول: أن الاستنكاف إنما يكون عن الرئيس المعين، وليس الكلام الآن فيه، بل في مطلق الرئيس.
الثاني: أن هذه مفسدة نادرة، والمفاسد الحاصلة عند عدم الإمام غالبة، وإذا تعارض الغالب والنادر، كان الغالب أولى بالدفع.
قلت: الجواب عن الأول: أنه كما يتفق الاستنكاف عن طاعة رئيسٍ معين، فقد يتفق الاستنكاف عن طاعة مطلق الرئيس، وأيضًا: فإذا سلمتم أن الاستنكاف قد يقع عن طاعة الرئيس المعين، فيكون نصب ذلك المعين مفسدةً، ثم إذا لم يمكن تحصيل المطلق، إلا في ذلك المعين، كما هو قولكم في الإمامة في أشخاص معينين، كان ذلك المطلق أيضًا مفسدةً.
وعن الثاني: هب أن الزمان الذي يقع فيه ذلك الاحتمال نادر، إلا أن كل زمانٍ، لما احتمل أن يكون هو ذلك النادر، لم يمكنا القطع بوجوب نصبه في شيءٍ من الأزمنة.