استحق ثبوت ذلك الحكم، وإلا كان تخصيصه بالوجوب دون سائر الأحكام ودون سائر الأفعال ترجيحا لأحد طرفي الجائز على الآخر لا لمرجح.
وثانيها: أنه لو لم يكن الحسن والقبح إلا بالشرع، لحسن من الله تعالى كل شيء، ولو حسن منه كل شيء، لحسن منه إظهار المعجزة على يد الكاذب، ولو حسن منه ذلك لما أمكننا أن نميز بين النبي والمتنبيء وذلك يفضي إلى بطلان الشرائع.
وثالثها: لو حسن من الله تعالى كل شيء لما قبح منه الكذب وعلى هذا فلا يبقى اعتماد على وعده ووعيده، فإن قلت الكلام الأزلي يستحيل أن يكون كذبا.
قلت هب أن الأمر كذلك لكن لم لا يجوز أن تكون هذه الكلمات التي نسمعها مخالفة لما عليه الشيء في نفسه وحينئذ يعود الإشكال.
ورابعها: أن العاقل إذا قيل له إن صدقت أعطيناك دينارا وإن كذبت أعطيناك أيضا دينارا واستوى عنده الصدق والكذب في جميع الأمور إلا في كونه صدقا وكذبا فإنا نعلم بالضرورة أن العاقل يختار الصدق.
ولولا أن الصدق لكونه صدقا حسن وإلا لما كان كذلك.
وخامسها: أن الحسن والقبح لو لم يكونا معلومين قبل الشرع لاستحال أن يعلما عند ورود الشرع بهما؛ لأنهما إذا لم يكونا معلومين قبل ذلك فعند ورود الشرع بهما يكون واردا بما لا يعقله السامع ولا يتصوره وذلك محال، فوجب أن يكونا معلومين قبل ورود الشرع.