وهي في المرتبة الدنيا فالواقع الندب، وكلما عظمت عظم الطلب، وإن كانت في المرتبة العليا فالواقع الوجوب، حتى يكون أعلى مراتب الندب، يليه أدنى مراتب الوجوب، وإذا كانت المفسدة الخالصة أو الراجحة في أدنى المراتب كانت الكراهة، أو في أعلى المراتب كان التحريم، حتى يكون أعلى مراتب الكراهة يليها أدنى مراتب التحريم، وبهذا الطريق تتحرر عندهم الأحكام الخمسة بالعقل، وعندنا نحن أيضا الواقع بالشرع كذلك، وغير أنا لانوجبه، وهم يوجوبنه على الله - تعالى - فهذا تلخيص مذهب الفريقين، غير ان هاهنا عقبة صعبة على الفريقين قطعها، وهي المراد بالمصلحة أو المفسدة، إن كان مسماهما كيف كانا، فما من مباح إلا وفيه في الغالب مصالح ومفاسد، فإن أكل الطيبات ولبس الثياب اللينات فيها مصالح الأجساد ولذات النفوس، وآلام ومفاسد في تحصيها، وكسبها وتناولها، وطبخها وإحكامها، وإجادتها بالمضغ، وتلويث الأيدي إلى غير ذلك مما لو خير العاقل بين وجوده وعدمه اختار عدمه، فمن يؤثر وقيد النيران وملابسة الدخان وزفر الأدهان، فيلزم ألا يبقى مباح ألبتة، وإن أراد ما هو اخص من مطلقهما، مع أن مراتب الخصوص متعددة، وليس بعضها أولى من البعض، ولأن العدول عن أصل المصحة والمفسدة تأباه قاعدة الاعتزال، فإنه سفه ولا يمكنهم أن يقولوا: إن ذابط ذلك أن كل مصلحة توعد الله على تركها، أو مفسدة توعد الله تعالى على فعلها هي المقصودة هاهنا، وما أهمله الله تعالى فليس دالخا في مقصودنا، ونحن حينئذ نريد ملطق المعتبر من غير تخصيص، فيندفع الإشكال، لأنا نقول: الوعيد عندكم، والتكليف تابع للمصلحة والمفسدة، ويجب عندكم بالعقل، فإنه - تعالى - يتوعد على ترك المصالح، وفعل المفاسد، فلو استفدتم المصالح والمفاسد المعتبرة من الوعيد لزم الدور، ولو صحت الاستفادة في المصالح والمفاسد من الوعيد للزمكم أن تجوزوا أن يرد التكليف بفعل المفاسد، وترك المصالح، وتنعكس