أن العقل هو الموجب أو المحرم، بل معناه أن العقل عندهم أدرك أن الله - تعالى - لحكمته البالغة يكلف بترك المفاسد، وتحصيل المصالح، فالعقل أدرك أن الله - تعالى - أجب وحرم، لا أن العقل أوجب وحرم، ويكون النزاع معهم في أن العقل لأدرك ذلك أم لا؟
فنحن نقول: الذي ادركه العقل أن ذلك جائز على الله تعالى، ولا يلزم من الجواز الوقوع، وهم يقولون: بل هو عند العقل من قبيل الواجبات، لا من قبيل الجائزات، فكما يوجب العقل أن الله - تعالى - يجب أن يكون عليما قديرا متصفا بصفات الكمال، فكذلك أدرك وجوب مراعاة الله - تعالى - للمصالح، والمفاسد، فهذا هو موطن نزاع الفريقين فاعلمه، فأكثر الفقهاء ما يفهم إلا أن العقل عند المعتزلة هوا لموجب وليس كذلك.
الثالث: على قوله: ((وقد يعلم نظرا كالصدق الضار، والكذب النافع)) لم يبين ما الذي يعلمه العقل من ذلك، وإذا تبين فهل هو حكم واحد في جميع هذا القسم أو أحكامه مختلفة؟ ذلك كله لم يتعرض لتلخيصه، مع أنه قصد التلخيص وتحقيقه أن الكذب الضار مفسدة مطلقا لكونه كذبا، ولكونه صارا، فيكون قبيحا، ومراتبه في القبح على قدر مرتبته بما حصل من الضرر، ولاصدق النافع مصلحة مطلقا، لأن كونه صدقا مصلحة، وسجية كريمة، وكونه نافعا مصلحة للغير، فيكون حسنا من غير نظر، ومرتبته في الحسن على قدر ماحصل للغير من النفع.
أما الصدق الضار فاجتمع فيه مصلحة الصدق ومفسدة الضرر، فيحتاج العقل بنظر أيهما راجح أو هما مستويان؟
فقد يكون الضرر لا يقدح في الحسن، كصدق الشهود الموجب للقصاص وغيره، فإنه ضار بمن عليه الحق، وقد يكون قادحا كمن صدق ظالما في إخباره عن مالم معصوم، فأخذه الظالم، ثم في هذا المقام يختلف الحال