فليس صدق قاضي الإقليم المقتضي لضياع فليس على اليتيم بقبيح، بل لو كذب ليحفظ ذلك كان قبيحا، فإن كذب العظيم الذي هو قدوة الإسلام لا يباح بمثل هذا، وصدقه لضياع الأموال العظيمة قبيح، وصدق الرجل الحقير المضيع للمال المتوسط قبيح، فحينئذ يتعين النظر في كل صورة على حيالها بحسب حال الصادق، أو الكاذب، وبحسب حال المترتب على ذلك الصدق أو الكذب، وتعبر المفاسد والمصالح، وما يعارضها في كل صورة بحسبها، فإن رجح جانب القبح قضينا به، أو جانب الحسن قضينا به، وإن استوى الأمران، وفسرنا الحسن بما ليس فيه مفسدة خالصة، ولا راجحة كان موطن التساوي حسنا، فعلى هذا تخلتف الأحكام في هذا القسم اختلافا كثيرا، ولا يكون حكمه واحدا، وهو مرادهم بأنه مدرك العقل بالنظر، لأنه أدرك بالنظر حكما واحدا في الجميع.
الرابع: على قوله: إن لم يتمكن من الترك، فقد ثبت الاضطرار، ولأن غير المتمكن له معنيان:
أحدهما: المكره كالذي يحمل ويدخل به الدار.
والثاني: الفاعل المختار المتمكن من الفعل والترك إذا استجمع لكل ما لا بدل له منه في التأثير، فإن أثره حينئذ يصير واجب الوقوع، وما كان واجب الوقوع لا يتمكن أحد من تركه، وكذلك إذا استجمع لله - تعالى - جميع ما يتوقف على تأثيره من تعلق قدرته وعلمه، وحضور زمان مراد إرادته، وجميع الشروط الواجبة في ذلك الأثر وجب ذلك الأثر من الله تعالى، فهذه قاعدة عقلية لا يستثنى منها شيء، وعدم التمكين بهذا التفسير لا ينافي الحسن والقبح، لأن الفعل إنما وقع باختيار الفاعل حينئذ وإيثاره، فأمكن مدحه وذمه، فهو حينئذ إن فسر عدم التمكن بهذا القسم منعناه عدم