صدوره عن الثاني، فيكون صدوره عن الكل كصدوره عن الواحد، وهذه حجة يقينية في الجواز):
قلنا: هذه حجة يقينية على عموم الجواز عقلا، والخصم يسلم ذلك عقلا، إنما هو يدعي الامتناع عادة، ولا تنافي بينهما؛ فإن العادة قد تجيز في الفرد، وتمنع في الكل كما تخبر العادة في كل فرد من الناس أنه من الأولياء المقربين، ويحيل ذلك في الكل، ويجيز في زيد المعين ألا يروى الآن بشر الماء، ويحيل ذلك في الكل، فمن المجاز عادة ألا يروى الماء أحد من الحيوانات إلى قيام الساعة، وتجيز العادة أن هذا الصغير يصير شيخا، ويحيل أن جميع صغار الدنيا يصيرون شيوخا، بل يقطع أنه لابد أن يموت من الناس خلق كثير قبل الهرم، ونظائره كثيرة، فحينئذ لا يلزم من الجواز العادي في البعض جوازه في الكل.
قوله:(جمع من الزهاد وضعوا الأحاديث كذبا تدينا).
قلت: قد بين ابن الجوزي في كتاب (الموضوعات) له في أسباب الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك.
وقيل لبعضهم: ألم تسمع قوله عليه السلام: (من كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) فأجاب بأن قال: (نحن كذبنا له ما كذبنا عليه) يشير قصدنا تكثير العبادات من الناس.
قوله:(الحيوانات الجبلية تتشابه).
تقريره: أن الحيوانات البرية يغلب عليها الاستواء في مرعاها، ومائها وهوائها، ومكانها، فتكون نطفها متشابهة الأجزاء، وأحوالها العارضة لها بعد الوضع من الماء والمكان وغيره متشابهة، فيغلب عليها التشابه، بخلاف الحيوانات الإنسية، فإنها مختلفة الأغذية، والأمكنة، وغالب الأحوال العارضة، فإن الناس في هيئة الدواب مختلفون فيما يحاولونه في داوبهم، فتكون نطفهم مختلفة، وأحوالهم العارضة بهم بعد الوضع مختلفة، فيغلب عليها الاختلاف.