قلت: الرسالة تتوقف على الكلام، والدور إنما لزم من توقف الرسالة على صدق المرسل لا على كونه متكلمًا، والرسالة قد تكون أوامر ونواهي، فلا يدخلها الصدق والكذب؛ لأنهما من خصائص الأخبار، ولو فرض المرسل لشخص ما أرسله بأخبارات كاذبة صحت الرسالة، وصدق الرسول، وإن كان مرسله غير صادق، فعلمنا أن الدور إنما يكون من توقف صدق المرسل على صدق الرسول وبالعكس، أما من توقف الرسالة والصدق فيها على الكلام فلا.
قوله:(الرسالة تقوم مقام قول القائل: أنت وكيلي، وهذا إنشاء لا يدخله التصديق والتكذيب).
تقريره: أن قوله: (أنت وكيلي) كقوله: بعت واشتريت، فكما أن بعت واشتريت لا يقبل التصديق، فكذلك أنت وكيلي، وقد تقدم الفرق بين الإخبار والإنشاء من ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن الخبر يقبل التصديق والتكذيب، بخلاف الإنشاء.
ثانيها: أن الخبر تابع لمدلوله، والإنشاء يتبعه مدلوله.
ثالثها: أن الإنشاء سبب لمدلوله، والخبر لا يكون سببًا للمخبر عنه، فإن (بعت واشتريت) سبب لذلك وبيعه الملك.
وقولنا:(قام زيد) ليس سببًا لقيامه، وهو يتبع قيامه.
قوله:(كون الرسول- عليه السلام- صادقًا من الأوصاف الحقيقية، فلا يختلف بالجعل الشرعي، فلا طريق إلى صدق الرسول إلا بصدق المرسل، فيلزم الدور).
قلنا: مسلم أن الصفة الحقيقية لا تقبل التغير من حيث الأحكام الشرعية، وإن قبلته من جهة تأثير القدرة في خلو ضدها، لكن لا يلزم حينئذٍ انحصار طرق الصدق في تصديق المرسل، بل بالقرائن الحالية كما تقدم بيانه.