أن يضل الخلق أجمعين، وأن يهديهم أجمعين، فهذه النكتة لا أثر لها ألبتة، مع أن النقشواني، وغيره اعتقدوا أنها في غاية القوة لا جواب عنها، مع أنها لا تستحق جوابا، بل هي مذهبنا بعينه، وليس اللازم عن هذه النكتة وقوع ذلك حتى يقال: يلزم خلاف الواقع، بل تجويز ذلك ليس إلا، وكذلك اللازم عن الوجه الثاث تجويز أن الله - تعالى - يخلق أصواتا في بعض مخلوقاته تدل على أمر غير واقع، كما يجوز أن يخلق في حجر من الحجارة أصواتا قائلة: الواحد نصف العشرة، وهذا نحن نجوزه، وعدنا كل كذب في العالم، وكل كفر ومعصية، الله تعالى خالقها، وليس مقصود الخصم الكذب في الكلام النفساني، فإن النزاع إنما وقع في مراعاته تعالى المصالح في أفعاله، وأما صفاته تعالى، فاتفق الفرق كلها على أنها في غاية الكمال، ولا يلزمنا من ذلك عدم الإعتماد على وعده تعالى، فإنه لا يلزم من التجويز على الله تعالى ألا يجزم بعدمالوقوع، فكم من شيء اتفق العقلاء على تجويزه، وقطعوا بعدم وقوعه، كما يجوز على الله تعالى أن تكون الأنهار الغائبة عنا زيتا أو عسلا، ونقطع بأن ذلك ما وقع، وأن هذه المشايخ التي نراها ولدت شيوخا كذلك، ونقطع بأنها ما ولدت أطفالا، ونظائره كثيرة، وكذلك نقطع بأن الله تعالى ما خلق هذه الأصوات في جبريل عليه السلام في الرسائل الربانية إلا مشتملة على المصالح، مطابقة لمدلولاتها بقرائن الأحوال من عوائد الله تعالى، لا من جهة العقل، فكذلك يجوز ذلك عقلا، ونقطع بأنه ما وقع، ونجزم بوعده تعالى ووعيده، وجميع أخباره.
وعلى قوله في الجواب: أن العدمي لايكون علة الحكم، وإلا لجاز إسناد العالم إلى مؤثر عدمي، أن القوم لم يجعلوا المصالح والمفاسد موجودة لأحكام الله تعالى كما توجد العلة معلولها، وتنقله من العدم إلى الوجود، بل حكم الله تعالى تعلق إرادته بالإقتضاء، أو التخيير، كما