أحدهما: أن الله تعالى إنما خلق ذلك المعجز لأجل التصديق.
الثاني: أن كل من صدقه الله تعالى فهو صادق، والحسن والقبح إنما يقع في المقام الثاني دون الأول ".
وتقريره: أن الحسن والقبح يقتضي أن الله تعالى لا يتصرف إلا لمصلحة، أما تعيين مصلحة معينة لا يقتضيها الحسن والقبح، فلعل خلق المعجز لغرض آخر، فلا ينتقض الحسن والقبح، وأما الثاني وهومن صدقه الله فهو صادق، فلو لم يكن صادقا كان قبيحا، كيف يصدق الله من ليس بصادق على أصولهم؟ فلا أثر له إلا في المقام الثاني، وإذا كان المعجز لا لغرض التصديق لا يوهم تصديق الكاذب، كما أن المؤذن إذا أذن في غير الوقت أوهم دخول الوقت، لأن الأذان لا يكون إلا لغرض إفهام دخول الوقت، أما مشي المؤذن على السطح لا يوهم دخول الوقت، لانه ليس لغرض إفهام دخول الوقت، كذلك هاهنا قوله، فثبت أن الإلزام الذي اورده علينا في إحدى المقدمتين وارد عليهم في المقدمة الأخرى، وكل ما هو جوابهم عن تقرر إحدى المقدمتين فهو جوابنا في تقرير المقدمة الأخرى.
معناه: أن البحث في المقدمة الأولى التي هي أن المعجز ليس لغرض التصديق، أو هي لغرض التصديق كما قالوه، وقلنا: أدى إلى إيرادهم أن الإيهام على الله تعالى محال لقبح، فأوردنا عليهم المتشابهات، وهي إنزال أمر يوهم التحسين، وهو ليس بمراد، ولم يقبح ذلك لاحتماله وجوها أخر من المصالح، فلما تقرر لنا في هذا المقام هذا البحث نفعنا في المقام الثاني، وهو أن من صدقه هل يجب أن يكون صادقا؟ لأن غاية هذا التصديق من الله تعالى له إن أظهر على يديه ما يدل على صدقه دلالة لا يحصل الجزم بالنبوة منها إلا بعد النظر الصحيح المحصل للعلم وبعد النظر الصحيح لا يقع لبس؛ فإن اللبس إنما يكون قبل ذلك.