الثاني: أن العمل بخبر الواحد العدل يتضمن دفع ضرر مظنون؛ فيكون واجبًا.
احتج الخصم بأمور:
أحدها: أنته- عليه الصلاة والسلام- لم يقبل خبر ذي اليدين؛ حتى شهد له أبو بكر وعمر- رضي الله عنهم-.
وثانيهما: أن الصحابة اعتبرت العددة فإن أبا بكر لم يقبل خبر المغيرة في الجدة حتى رواه معه محمد بن مسلمة، ولم يعمل عمر على خبر أبي موسى في الاستئذان؛ حتى رواه أبو سعيد الخدري، ورد خبر فاطمة بنت قيس، ورد أبو بكر وعمر خبر عثمان رضي الله عنهم أجمعين في رد الحكم بن العاص.
وثالثهما: قياس الرواية على الشهادة، بل أولى؛ لأن الرواية تقتضي شرعًا عامًا، والشهادة شرعًا خاصًا؛ فإذا لم تقبل رواية الواحد في حق الإنسان الواحد، فلأن لا تقبل في حق كل الأمة كان أولى.
ورابعها: الدليل ينفي العمل بالخبر المظنون؛ لقوله تعالى:{إن الظن لا يغني من الحق شيئًا} ترك العمل به في خبر العدلين؛ والعدل الواحد ليس في معناه؛ لأن الظن هناك أقوى مما هاهنا؛ فوجب أن يبقى على الأصل.
والجواب عن الأول: أن ذلك، إن دل، فإنما يدل على اعتبار ثلاثة، أبي بكر، وعمر، وذي اليدين- رضي الله عنهم-؛ ولأن التهمة كانت قائمة هناك؛ لأنها كانت واقعة في محفل عظيم، والواجب فيها الاشتهار.