وعن الثاني: أنا بينا أنهم قبلوا خبر الواحد، وهاهنا اعتبروا العدد؛ فلابد من التوفيق، فنقول ما ذكرناه من الروايات يدل على أن العدد ليس بشرط في أصل الرواية، وما ذكروه دل على أنهم طلبوا العدد؛ لقيام تهمة في تلك الصور.
وعن الثالث: أنه منقوض بسائر الأمور التي هي معتبرة في الشهادة لا في الرواية كالحرية، والذكورة، والبصر، وعدم القرابة.
وعن الرابع: لا نسلم: أن قول الله تعالى: {إن الظن لا يغنى من الحق شيئًا} يمنع من التعلق بخبر الواحد؛ فإنا لما علمنا أن الله تعالى أمرنا بالتمسك، كان تمسكنا به معلومًا، لا مظنونًا.
المسألة الثانية: زعم أكثر الحنفية: أن راوي الأصل إذا لم يقبل الحديث، قدح ذلك في رواية الفرع.
والمختار أن نقول: راوي الفرع: إما أن يكون جازمًا بالرواية، أو لا يكون: فإن كان جازمًا، فالأصل: إما أن يكون جازمًا بفساد الحديث، أو بصحته، أو لا يجزم بواحد منهما:
فإن كان الأول: فقد تعارضا؛ فلا يقبل الحديث؛ ولأن قبول الحديث من الفرع لا يمكن إلا بالقدح في الأصل وذلك يوجب القدح في الحديث.
وأما الثاني: فلا نزاع في صحته.
وأما الثالث: فإما أن يقول: الأغلب على ظني: أني ما رويته، أو الأغلب: أني رويته، أو الأمران على السواء، أو لا يقول شيئًا من ذلك؛ ويشبه أن يكون الخبر في كل هذه الأقسام مقبولًا؛ لأن الفرع جازم، ولم يوجد في مقابلته جزم يعارضه؛ فلا يسقط به الاستدلال.