أو تقول: خلق العالم إما أن يكون مصلحة، وإما ألا يكون، فإن كان يلزم تفويت المصالح، وإن لم يكن كان خلقه عريا عن المصالح، فالله تعالى، لا يجب أن يكون تصرفه ملزوما للمصالح، ولا تكون راعيتها واجبة، إذا تقرر عدم وجوب رعاية المصالح، فلا يجب في العقل أن الله تعالى يربط أحكامه بها، بل يجوز ذلك ونقيضه، فتبطل قاعدة الحسن والقبح العقليين، وغلط من فسره بالعقاب أو الذم أو غير ذلك، فإن المثوبات والعقوبات فرع ربط الأحكام بالمصالح والمفاسد، إذ العقوبات فرع العصيان، والعصيان فرع الأحكام، فافهم هذا الموضع، فأكثر الجماعة كإمام الحرمين في "البرهان" وغيره اعتمد على أن الحسن والقبح يرجع إلى تصرف الله تعالى في أمر مغيب عنا من الثواب والعقاب لا مدخل له في المصالح والمفاسد المتعلقة بنا، وليس كذلك، بل هم يقولون: إنما ترتب ذلك للمفاسد والمصالح، وذلك غيب عندهم، لأنه معلوم عندهم بالعقل وجوبه منجهة أنهم إذا علموا أن الفعل مشتمل على مفسدة خالصة أو راجحة علموا أن اللهتعالى أناط بها المنع، ونفي عنها العقوبة، كل ذلك معلوم عندهم بالعقل، فتسقط كلمات الجماعة في الرد عليهم، وظهر أن ما ذكرته برهان على إبطال قولهم، وهو من قول الشافعي رضي الله عنه إذا سلم القدرية العلم خصموا، أي: خصموا في جيمع هذه المسائل، ولذلك هذه الحجة ما نشأت إلا عن كون الله تعالى عالما بما في العالم من المصالح والحكم، ومع ذلك أخر خلقه آلافا من السنين.
وقوله:"إذا بينا فساد الحسن والقبح العقليين، فقد صح مذهبنا في أن شكر المنعم غير واجب عقلا، ولا حكم قبل الشرع، لكن أصحابنا سلموا الحسن والقبح العقليين، وأبطلوا المسألتين بعد التسليم".