أحدهما: أن إذا سلمنا قاعدة الحسن والقبح، فقد سلمنا أن الأحكام مرتبطة بالمصالح الخالصة أو الراجحة، والمفاسد الخالصة أو الراجحة، وعلى هذا تكون الأحكام واقعة قبل الشرع ضرورة، ضرورة وقووع تلك المصالح والمفاسد قبل الشرع، وإذا كانت الاحكام واقعة قبل الشرع كان وجوب شكر المنعم ثابتا قبل الشرع، لأنه من جملة الأحكام، فعلم أنه متى سلمنا قاعدة الحسن والقبح فقد سلمنا المسألتين، فنزاعنا بعد ذلك في المسألتين نزاع فيما سلمناه، وذلك باطل، وإنما يحسن النزاع بعد التسليم في غير المسلم، وهذا بعضه بل كله، لأنا إذا قلنا: لا حكم للأشياء قبل الشرع لم يخل حكما من الاحكام، فلم يخل من الحسن والقبخ شيئا، والتقدير أنا سلمناه كله، فهذا من أفحش التناقض.
وثانيهما: أنا إذا بينا أنه لا حكم للأشياء قبل الشرع، فقد نفينا جميع الوجوبات، والتحريمات، والمندوبات، والمكروهات، والإباحات، ووجوب شكر المنعم من جملة الوجوبات، فيندرج في تلك المسألة، فلا معنى لجعلها مسألة أخرى، إذ هي فرد من أفرادها، وما بالنا حينئذ إذا جوزنا مثل هذا ألا نبين عدم وجوب اصلاة، مسألة أخرى، وكذلك وجوب الصوم وغير ذلك، فما وجه الاقتصار على نفي هذا الوجوب وحده؟
والجواب عن الأول: أنه النزاع من المعتزلة في قاعدة الحسن والقبح، في أن العقل هل له ولاية على أن يحكم بأن الله تعالى حكم بربط الأحكام بالمصالح والمفاسد أم لا؟ فنحن نمنع ذلك، ونقول: لم يحكم العقل إلا بجواز الربط، لا بالربط نفسه بناء على جواز تكليف ما لا يطالق، فيجوز أن يوجب الله تعالى علينا ويحرم من غير بعثة، وهم يقولون: بل أدركنا بالعقل أن الله تعالى يجب له لحكمته البالغة ألا يدع مفسدة في وقت من