وإنما قلنا: إنهم لو قالوا بتلك الأقاويل؛ لأجل نص؛ لأظهروه؛ لأنا نعلم بالضرورة: أنه كان من عادتهم إعظام نصوص الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واستعظام مخالفتها؛ حتى نقلوا منها ما لا يتعلق به حكم؛ كقوله - عليه الصلاة والسلام -: (نعم الإدام الخل) وكان من عاداتهم أيضًا التفحص عن نصوص الرسول - عليه الصلاة والسلام - والحث على نقلها إليهم؛ ليتمسكوا بها، إن كانت موافقة لمذاهبهم، أو ليرجعوا عن مذاهبهم، إن كانت مخالفة لها؛ وليس يجوز فيمن هذه عادته - أن يحكم في قضية بحكم لنص، ثم يسكت عن ذكر ذلك النص، وذلك معلوم بالضرورة.
وبهذا الطريق: ثبتت المقدمة الثانية، وهي قولنا:(لو أظهر النص، لاشتهر، ولو اشتهر لنقل، ولو نقل، لعرفه الفقهاء والمحدثون.
وأما أن ذلك لم ينقل: فلأنا بعد البحث التام، والطلب الشديد، والمخالطة للفقهاء والمحدثين: ما وجدنا في ذلك ما يدل على نقلها، وذلك يدل على عدمها؛ فثبت أنهم لم يقولوا بتلك الأقاويل؛ لأجل نص، وإذا بطل ذلك، ثبت أنه لأجل القياس.
الوجه الرابع: نقل عن الصحابة القول بالرأي، والرأي هو القياس؛ وإنما قلنا: (إنهم قالوا بالرأي) لأنه روى عن أبي بكر: أنه قال في الكلالة: (أقول فيها برأيى). وفي الجنين، لما سمع الحديث:(لولا هذا، لقضينا فيه برأينا) وقول عثمان لعمر (رضي الله عنهما) في بعض الأحكام: (إن اتبعت رأيك، فرأيك رشيد، وإن تتبع رأي من قبلك، فنعم ذو الرأي كان) وعن علي - رضي