والذي نقوله الآن: أنَّا لا نسلم أنه ما وصل ذلك الإنكار إلينا؛ فإنه نقل عنهم تارة: إنكار الرأي، وأخرى: إنكار القياس، وأخرى: ذم من أثبت الحكم لا بالكتاب والسنة، روى عن أبي بكر - رضي الله عنه -: أنه قال: (أي سماءٍ تظلني، وأي أرض تُقلني، إذا قلت في كتاب الله برأيي؟).
وعن عمر - رضي الله عنه -: (إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي؛ فضلوا وأضلوا) وعنه - رضي الله عنه -: (إياكم والمكايلة) قيل: وما المكايلة؟ قال:(المقايسة) وعن شريحٍ قال: (كتب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يومئذ من قبله قاضٍ -: (اقض بما في كتاب الله تعالى، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، فاقض بما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن جاءك ما ليس فيها، فاقض بما أجمع عليه أهل العلم، فإن لم تجد، فلا عليك أن تقضي).
وعن علي:(لو كان الدين يؤخذ بالقياس، لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره) وروى عنه: (من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم، فليقل في الجد برأيه). وهذا أيضًا يروى عن عمر - رضي الله عنه.
وعن ابن عباس:(يذهب قراؤكم وصلحاؤكم، ويتخذ الناس رؤساء جهالا يقيسون الأمور برأيهم) وقال: (إذا قلتم في دينكم بالقياس، أحللتم كثيرًا مما حرمه الله تعالى وحرمتم كثيرًا مما حلل الله) وقال: (إن الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فأحكم بينهم بما أنزل الله}[المائدة: ٤٨] ولم يقل: (بما رأيت) وقال: (لو جعل لأحدكم أن يحكم برأيه، لجعل ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن قيل له:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله}[المائدة: ٤٩] وقال: (إياكم والمقاييس؛ فإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس).