وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: (السنة: ما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لا تجعلوا الرأي سنة للمسلمين) وعن مسروق: (لا أقيس شيئًا بشيء، أخاف أن تزل قدمي بعد ثبوتها) وكان ابن سيرين يذم القياس، ويقول:(أول من قاس إبليس) وقال الشعبي لرجل: (لعلك من القياسيين) وقال: (إن أخذتم بالقياس، أحللتم الحرام، وحرمتهم الحلال).
فثبت بهذه الروايات تصريح الصحابة والتابعين بإنكار الرأي والقياس.
فإن قلت: هؤلاء الذين نقلت عنهم المنع من القياس هم الذين دللنا على ذهابهم إلى القول به، فلا بد من التوفيق، وذلك بأن نصرف الروايات المانعة من القياس إلى بعض أنواعه؛ وذلك حق؛ لأن العمل بالقياس لا يجوز عندنا إلا بشرائط مخصوصة.
قلت: هب أن الذين نقلنا عنهم المنع من القياس: هم الذين دللتم على أنهم كانوا عاملين به، إلا أنا نقلنا عنهم التصريح بالرد والمنع على الإطلاق من غير تقييد بصورة خاصة، وأنتم ما نقلتم عنهم التصريح بالقول، بل رويتم عنهم أمورًا، ثم دللتم بوجوه دقيقة غامضة على أن تلك الأمور دالة على قولهم بالقياس، ومعلوم أن التصريح بالرد أقوى مما ذكرتموه؛ فكان قولنا راجحًا.
سلمنا عدم الترجيح من هذا الوجه؛ لكن كما أن التوفيق الذي ذكرتموه