الفرق مع وضوحه؛ غايته: أنا لا نعرف أحدًا قاله؛ لكن عدم العلم بالشيء لا يقتضي العلم بعدمه.
والجواب: أن أصحابنا ذهبوا إلى أن الروايات المذكورة في اختلافهم في مسألة: الجد، والحرام، والمشركة، والإيلاء، والخلع، وتقدير الحد بشرب الخمر، وقياس العهد على العقد، وقول الصحابة بالتشبيه والرأي، وما نقل من الأحاديث في القياس؛ كخبر معاذ وابن مسعود، وخبر الخثعمية، والسؤال عن قبلة الصائم، وأمر عمر أبا موسى بالقياس، وقول ابن عباس بالتشبيه - قد بلغ مجموعها إلى حد التواتر؛ فإن من خالط أهل الأخبار، وطالع كتبهم، قطع بصحة شيء من هذه الأخبار؛ فإنها باسرها يمتنع أن تكون كذبًا، وأي واحد منها صح القول بالقياس، وهذا الذي قاله الأصحاب جيد، إلا أن الخصم، لو كابر، وقال: لا أسلم خروج هذا المجموع عن كونه خبر واحد.
قلنا: هب أنه كذلك، فأيش يلزم؟.
قوله:(المسألة علمية قطعية؛ فلا يجوز إثباتها بدليل ظني):
قلنا: لا نسلم أنها قطعية؛ بل هي عندنا ظنية؛ لأن هذه المسألة عملية، والظن قائم مقام العلم في وجوب العمل؛ ألا ترى أنه لا فرق بين أن يعلم بالمشاهدة وجود الغيم الرطب المنذر بالمطر، الذي يجب التحرز منه، وبين أن يخبر بوجود مثل هذا الغيم مخبر لمن لا يمكنه مشاهدة الغيم في أنه يلزمه التحرز منه، فكذا هاهنا؛ لا فرق بين أن يتواتر النقل عن الشرع في أنَّا مأمورون بالقياس، وبين أن يخبرنا به من يظن صدقه؛ في وجوب العمل بالقياس، وإن لم نعلم صدق المخبر بذلك؛ وهذا الجواب قاطع للشغب بالكلية.