فإن قلت:(أليس أن فقهاء هذا الزمان يعبرون عن هذه الأمارات؟):
قلت: المتأخر في كل علم يلخص ما لم يلخصه المتقدم.
سلمنا أنه يجب عليهم ذكر تلك الأقيسة؛ لكن يجب ذكرها صريحًا، أو تنبيهًا؟ الأول ممنوع، والثاني مسلم: وهاهنا قد نبهوا على العلل بالإشارة إلى الأصول التي ذكروها:
بيانه: أنهم اتفقوا على أن حكم قوله: (أنتِ عليَّ حرامٌ) إما أن يكون حكمه حكم الطلاق، أو الظهار، أو اليمين، وعلة ذلك ظاهرة، وهي أن قوله:(أنتِ عليَّ حرامٌ) لفظ موضوع للتحريم، فيؤثر فيه إذا توجه إلى الزوجة؛ كهذه المسائل، ثم إن كل واحد منهم رجح الأصل الذي اختاره؛ فمنهم: من رجح الاحتياط؛ فجعله طلاقًا ثلاثًا، ومنهم: من رجح بالمتيقن؛ فجعله طلقة واحدة. ومنهم: من جعله ظهارًا؛ لمشابهته إياه في اقتضاء التحريم ومباينته لصرائح الطلاق، وكناياته، ثم جعل كفارته كفارة الظهار؛ أخذًا بالاحتياط؛ لأنها أغلظ من كفارة اليمين، ومنهم: من رجح بأن كفارة اليمين أقل الكفارات؛ فيوجبها؛ أخذًا بالأقل؛ فظهر أن ذكر هذه الأصول منبه على كيفية قياساتهم.
قوله:(لم قلت: لو أظهروا تلك النصوص، لوجب اشتهارها؟):
قلنا: لأن هذه المسائل من المسائل التي يكثر وقوعها؛ فكانت الحاجة إلى معرفة حكم الله تعالى فيها بالدليل شديدة؛ وما كان كذلك، فإن الدواعي تتوفر على حفظ النصوص الواردة فيها، فهذا إن لم يفد القطع، فلا أقل من الظن.
قوله:(تدعي أن تلك النصوص، لو نقلت، لعرفتها أنت أو لعرفها أحد ممن في هذا الزمان؟!):