ظهر أنها لو أفادت شيئًا ما أفادت إلا ظنًا ضعيفًا، وأنه ليس الأمر كما يعتقده الجمهور؛ من أنه يفيد إجماعًا قاطعًا.
المسلك السادس: تقرير الإجماع على وجه آخر، فنقول: نعلم بالضرورة اختلاف الصحابة في المسائل الشرعية، فإما أن يكون ذهابهم إلى ما ذهبوا إليه، لا لطريق فيكون ذلك إجماعًا على الخطأ؛ وإنه غير جائز، أو لطريق؛ وهو: إما أن يكون عقليًا أو سمعيًا، لا يجوز أن يكون عقليًا؛ لأن العقل لا دلالة فيه إلا على البراءة الأصلية، ويستحيل أن يكون قول كل واحد من المختلفين قولاً بالبراءة الأصلية؛ فثبت أنه كان سمعيًا، وهو إما أن يكون قياسًا، أو نصًا، أو غيرهما:
أما القياس: فهو المطلوب.
وأما النص: فغير جائز؛ لأن مخالف النص يستحق العقاب العظيم؛ لقوله تعالى:{ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها}[النساء: ١٤] ونحن نعلم بالضرورة أن المختلفين منهم في المسائل الشرعية ما كان كل واحد منهم يعتقد في صاحبه كونه مستحقًا للعقاب العظيم؛ بسبب تلك المخالفة.
وأما الذي ليس بنص، ولا قياس: فباطل؛ لأن كل من قال من الأمة:(إنهم لم يتمسكوا في تقرير أقوالهم بشيءمن النصوص الجلية والخفية، ولا بالبراءة الأصلية) قال: إنهم تمسكوا بالقياس، فلو قلنا: إنهم قالوا بتلك الأقاويل بشيء غير هذين القسمين، كان ذلك قولاً غير قولي كل الأمة؛ وهو باطل.
فهذه الدلالة، وإن كان يتوجه عليها كثير مما توجه على الوجه الذي قبله، إلا أن كثيرًا من تلك الأسئلة ساقط عنها.