واحترزنا بهذا عن الشهادة، والفتوى، وقيم المتلفات، وأروش الجنايات، والتمسك بالأمارات في معرفة القبلة، والأمراض، والأرباح، والأمور الدنيوية؛ لأن هذه الأشياء تختلف باختلاف الأشخاص، والأوقات، والأمكنة، والاعتبارات، فالتنصيص عليها كالتنصيص على ما لا نهاية له؛ وهو محال.
وإنما قلنا:(إن الاقتصار على أدون البابين، مع القدرة على أعلاهما غير جائز) لأنه إذا لم يقع البيان على أقصى الوجوه، حسن من المكلف أن يحمل اليقين على صعوبة البيان، لا على تقصير نفسه؛ فالإتيان بكمال البيان إزاحة لعذر المكلف، فيكون كاللطف وترك المفسدة في الوجوب.
والجواب: أما النقوض، فقد ذكرنا أن الدليل الشرعي، لما قام على عدم الالتفات إلى تلك المظان- لم يبق الظن.
قوله:(فحينئذ يصير عدم الدليل المبطل للقياس جزءًا من المقتضى).
قلنا: ليس كل ما وجوده يمنع من عمل المقتضى، كان عدمه جزءًا من المقتضى؛ فإن الذي يمنع الثقيل من النزول لا يصير عدمه جزء المقتضى للنزول؛ لاستحالة كونه العدم من العلة الوجودية.
قوله:(جواز الرجوع إلى الظن في الشرعيات مشروط بعدم التمكن من تحصيل العلم):
قلنا: لا نسلم، فإنه إذا حصل الظن الغالب بسبب القياس؛ باشتمال أحد الطرفين عل المفسدة، والآخر على المصلحة- فإلى أن يستقصى في طلب العلم، لابد في الحال من أن يرجح أحد الطرفين على الآخر؛ لامتناع ترك