وقاذف الحر الفاجر يحد، بخلاف العبد العفيف؛ نظرًا إلى شرف الحرية، فهو ملاحظة العلية في الجنس، دون الصور الجزئية.
والتفرقة في العدة بين الموت والطلاق؛ لأن الموت غاب فيه صاحب النسب، فاحتاط له الشارع بالإحداد، وتعميم العدة وتكثيرها، والطلاق صاحب النسب فيه مودود يحفظ عرضه ونسبه، فخفف الشرع فيه؛ لعلة قلة الحاجة لذلك.
واستبراء الحرة ثلاث، والأمة واحدة؛ لأن الحرة أشرف، ونسبها أشرف، فاحتيط للشريف أكثر من الوضيع، فهو على قاعدة التعليل عاضد للقياس لا مناقض له.
والوضوء من الريح دون غسل الموضع لا فائدة فيه؛ لأنه لو غسل لكان لموضع التنجيس، وحينئذ يجب على الثياب كلها كلما خرج ريح، وذلك مشقة عظيمة، مع أن الذي يصحب الريح من النجاسة إنما هو (النتن) لا جوهر له، ولا جرم يستقذر، بخلاف نجاسة الأجرام الحسية. وأما الوضوء فقال بعض العلماء: إنما وجب من جميع هذه الأشياء ملاحظة لإبليس، وما يقع من إغوائه على أكل الشجرة، واستقرت في المعدة، فأوجبت (النتن) لمكان المعصية، وكان المناسب أن يغسل الباطن في كل حين يحدث فيه مثل ذلك، غير أن الشارع أمر بوضع الوضوء دائرًا حوال موضع (النتن) لتعذر وضعه في موضع (النتن)، فأمر بوضعه في الرجلين والرأس، وهما الطرفان، واليدين وهما الجناحان، وصار ذلك كدائرة حول موضع (النتن) ومستقر أثر المعصية.
فهذه كلها تعاليل حسنة مقوية لطلب الحكم ومشروعية القياس، واعتبار المصالح تحصيلاً، والمفاسد دفعًا.