ومن اعتبر الشرائع كلها وجدها مصالح للعباد حاثة على القياس، وتتبع المصلحة في جميع صورها، فما أورده النظام نقوضًا، فهو نصوص على القياس لا نقوض عليه.
قوله:(إن كان القياس على وفق البراءة الأصلية لم يكن فيه فائدة، لأن قوله: (البراءة) دليل قاطع، والقياس ظني):
قلنا: البراءة مقطوع بأصلها، لا لشمولها جميع الأزمنة، بل هي في ذلك مظنونة أضعف من ظن القياس، فتقديم القياس عليها تقديم للظن القوى على الظن الضعيف، ولذلك قدمنا البينة وخبر الواحد عليها؛ لأن ظنها أقوى، ونسبتها للأزمنة والأحوال كنسبة العموم للأشخاص، فكما يخصص العموم المقطوع بأصله بسبب التواتر بخبر الواحد والقياس، كذلك ترفع البراءة الأصلية بهما.
قوله:(إن كان القياس يفيد النفي وهو ثابت في الأزل، فإثباته بالقياس عبث):
قلنا: قد تقدم أنه يفيد قوة الظن فلا عبث، وافتقار القياس لبقاء الشيء على ما كان عليه لا يمنع ذلك؛ فإن بقاء الشيء على ما كان عليه قد يكون في الثبوت، وقد يكون في العدم، فهذه مقدمة مشتركة بين الأدلة، وليست نفس البراءة الأصلية، ثم إن المفتقر للشيء قد يفيد تقويته، فإن الكل مفتقر لجزئه، وهو يقوى وجود الجزء، لأنه يستلزمه، وكذلك المعلول مع العلة، والمشروط مع الشرط.