الثاني: أن البديهة شاهدة بأن الغرض والحكمة ليس إلا جلب المنفعة، أو دفع المضرة؛ والمنفعة: عبارة عن اللذة، أو ما يكون وسيلة إليها، والمضرة: عبارة عن الألم، أو ما يكون وسيلة إليه، والوسيلة إلى اللذة: مطلوبة بالعرض، والمطلوب بالذات: هو اللذة.
وكذا الوسيلة إلى الألم: مهروب عنها بالعرض والمهروب عنه بالذات: ليس إلا الألم؛ فيرجع حاصل الغرض والحكمة إلى تحصيل اللذة، ورفع الألم؛ ولا لذة إلا والله تعالى قادر على تحصيلها؛ ابتداء من غير شيء من الوسائط، ولا ألم إلا والله تعالى قادر على دفعه؛ ابتداء من غير شيء من الوسائط وإذا كان الأمر كذلك، استحال أن تكون فاعليته لشيء؛ لأجل تحصيل اللذة، أو دفع الألم؛ لأن الشيء إنما يكون معللا بشيء آخر، إذا كان يلزم، من عدم ما فرض علة، وعدم كل ما يقوم مقامها ألا تكون العلية حاصلة البتة؛ وبهذا الطريق: علمنا أن نعيق الغراب، وصرير الباب ليس علة لوجود السماء والأرض، ولا بالعكس.
وإذا ثبت هذا، فنقول: لما لم تكن فاعلية الله تعالى لتحصيل اللذات، ودفع الآلام - متوقفة البتة على وجود هذه الوسائط، لم تكن أبضا فاعليته للوسائط - متوقفة على فاعليته لتلك اللذات، والآلام - استحال تعليل أحدهما بالآخر، وإذا بطل التعليل، بطل كونها داعية؛ لما بينا أن الداعي علة لعلية الفاعلية.
التفسير الثالث للعلة: المعرف: فنقول: إنه أيضا باطل؛ لأنا إذا قلنا: الحكم في الأصل معلل بالعلة الفلانية، استحال أن يكون مرادنا من العلة المعرف؛ وإلا لكان معنى الكلام: (أن الحكم في الأصل، إنما عرف ثبوته بواسطة