فإن قلت:(لم لا يجوز أن يقال: إن الاستقباح، إنما جاء؛ لأن الجهل مانع من الإكرام، والعلم مانع من الاستخفاف، فلمّا مر بإكرام الجاهل، فقد أثبت الحكم مع قيام المانع.
وأيضًا: فهب أن الحكم في هذا المثال كذلك؛ فلم قلت: إنه في سائر الصور يجب أن يكون كذلك؟):
قلت: الجواب عن الأول: أنا قد بيّنا: أنه قد يثبت استحقاق الإكرام، مع الجهل؛ فوجب أن يكون الجهل مانعًا منه؛ لئلا يلزم مخالفة الأصل.
وعن الثاني: أنه لما ثبت ما ذكرناه في بعض الصور، وجب ثبوته في كل الصور؛ وإلا وقع الاشتراك في هذا النوع من التركيب، والاشتراك على خلاف الأصل.
الوجه الثاني في المسألة: أنه لابد لهذا الحكم من علة، ولا علة إلا لهذا الوصف، أما الأول: فلأنه لو ثبت الحكم بدون العلة والدّاعي، كان عبثًا؛ وهو على الله تعالى محال.
وأما الثاني: فلأن غير هذا الوصف كان معدومًا، والعلم بأنه كان معدومًا، يوجب ظن بقائه على ذلك؛ على ما سيأتي تقرير هذا الأصل، وإذا بقى على العدم، امتنع أن يكون علة؛ فثبت أن غيره يمتنع أن يكون علة؛ فوجب أن تكون العلة ذلك الوصف.
الفرع الثاني: قد ذكرنا أن دخول (الفاء) يقع على ثلاثة أوجه؛ ولا شك أن قول الشارع أبلغ في الإفادة العلية من قول الراوي؛ لأنه يجوز أن يتطرق إلى كلام الراوي من الخلل ما لا يجوز تطرقه إلى كلام الشارع.