أما المقدمة الثانية: وهي أن هذا الفعل مشتمل على هذه الجهة من المصلحة، فظاهر؛ لأنا إنما نحكم بعلية الوصف، إذا بينا كونه كذلك.
أما المقدمة الثالثة: وهي أنا لما علمنا أنه لا يشرع إلا لمصلحة، وعلمنا أن هذا المعنى مصلحة، حصل لنا ظن أن الداعي له تعالى إلى شرع ذلك الحكم هو هذه المصلحة؛ فقد استدلوا عليه من وجهين:
الأول: وهو أن المصلحة المقتضية لشرع هذا الحكم: إما هذه المصلحة أو غيرها: ولا جائز أن يكون غيرها؛ لأن ذلك الغير: إما أن يقال: إنه كان مقتضيًا لذلك الحكم في الأزل، أو ما كان مقتضيًا له في الأزل؛ والأول باطل؛ وإلا لكان الحكم ثابتًا في الأزل؛ لكن التكليف بدون المكلف محال؛ فتعين الثاني؛ وهو أنه ما كان مقتضيًا لهذا الحكم في الأزل، وذلك يفيد ظن استمرار هذا السلب؛ لما سنبين، إن شاء الله تعالى: أن العلم بوقوع أمر على وجه مخصوص يقتضى ظن بقائه على ذلك الوجه أبدًا، وإذا ثبت ظن أن غير هذا الوصف ليس علة لهذا الحكم ثبت ظن أن هذا الوصف هو العلة لهذا الحكم، ونحن ما ادعينا إلا الظن.
الثاني: أن الظن بكون الحاكم حكيمًا، مع العلم بأن هذا الحكم فيه هذه الجهة من الحكمة، يفيد في الشاهد ظن أن ذلك الحكيم إنما شرع ذلك الحكم لتلك الجهة؛ وإذا كان الأمر كذلك في الشاهد، وجب أن يكون في الغائب مثله.
بيان المقام الأول: أنا إذا اعتقدنا في ملك البلدة: أنه لا يفعل فعلًا إلا لحكمة، فإذا رأيناه يدفع مالًا إلى فقير، وعلمنا أن فقره يناسب دفع المال إليه، ولم