الرابع: لو قدر العبد على بعض المقدورات الممكنات، لقدر على الكل؛ لأن المصحح للمقدورية ليس إلا الإمكان، وهو قضية واحدة؛ فيلزم من الاشتراك فيه الاشتراك في المقدورية؛ لكنه غير قادر على كل الممكنات؛ لأنه لا يقدر على خلق السموات والأرض؛ فوجب ألا يقدر على الإيجاد البتة؛ فثبت بمجموع هذه الوجوه: أن العبد غير موجد لأفعاله، بل موجدها هو الله- عز وجل- وإذا كان كذلك، فكل ما حصل من الكفر والمعاصي، فهو من فعل الله تعالى، ولا شك أن الغالب على أهل العالم الكفر والمعاصي، ومع هذا القول: لا يمكن القول بأن الله تعالى لا يفعل إلا ما يكون مصلحة للعبد.
فإن قلت: هب أن الله تعالى هو الخالق لفعل العبد، ولكن المكلف مخير في اختيار الكفر والإيمان، والله تعالى أجرى عادته أن يخلق الشيء على وفق اختيار المكلف، فإن اختار المكلف الكفر، خلق فيه الكفر، وإن اختار الإيمان، خلق في الإيمان، فمنشأ المفسدة هو اختيار المكلف.
قلت: حصول اختيار الكفر بدلًا عن اختيار الإيمان، إن كان من المكلف، لا من الله تعالى، لم يكن الله تعالى فاعلًا لكل أفعال العباد، وإن كان من الله تعالى، فقد بطل الاختيار، وتوجه الإشكال.
الدليل الثاني: على أنه لا يجوز تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه بالمصالح: أن القادر على الكفر، إن لم يقدر على الإيمان، لزم الجبر، وذلك يقدح في رعاية المصالح، وإن قدر عليهما، فلابد وأن ينتهي إلى مرجح واقع بفعل الله تعالى، وعند حصول ذلك المرجح يجب وقوع الكفر، فيكون الجبر لازمًا، وذلك يقدح في رعاية المصالح، وتقرير هذا الوجه قد تقدم.