للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن موجد العبد مقدور لله تعالى، فيجب وقوعه بقدرة الله تعالى.

إنما قلنا: إن مقدور العبد لله تعالى؛ لأنه في نفسه ممكن، والإمكان مصحح للمقدورية.

وإنما قلنا: (إنه لما كان مقدورًا لله تعالى، وجب وقوعه بقدرة الله تعالى؛ لأنا لو قدرنا قدرة العبد صالحة للإيجاد، فإذا فرضنا أن كل واحد منهما أراد الإيجاد؛ فحينئذ: يجتمع على ذلك الفعل مؤثران مستقلان بالإيجاد؛ وذلك محال؛ لأن الأثر مع المؤثر المستقل به يصير واجب الوقوع، وكل ما كان واجب الوقوع في نفسه، استحال استناده إلى غيره، وحينئذ يلزم أن يستغنى بكل واحد منهما عن كل واحد منهما؛ فيلزم انقطاع ذلك المقدور عنهما حال استناده إليهما معًا؛ وهو محال.

والثالث: إذا فرضنا أن العبد أراد تحريك المحل حال ما أراد الله تعالى تسكينه، فإذا كانت قدرة العبد مستقلة في الإيجاد، وقدرة الله تعالى أيضًا مستقلة به- لم يكن وقوع أحد المقدورين أولى من وقوع الآخر، فإما أن يمتنعا؛ وهو محال؛ لأن المانع من وجود كل واحد منهما وجود الآخر، فالمانع حاصل حال تحقق الامتناع؛ فيلزم وجودهما عند عدمهما؛ وهو محال، أو يقعا جميعًا؛ فيلزم حصول الضدين؛ وهو محال.

فإن قلت: (قدرة الله تعالى أقوى، فكانت أولى بالتأثير):

قلت: إنها أقوى بمعنى أنها مؤثرة في أمور أخرى لا تؤثر فيها قدرة العبد، أما فيما يرجع إلى التأثير في ذلك المقدور الواحد، فيستحيل التفاوت؛ لأن ذلك المقدور شيء واحد؛ لا يقبل التفاوت، وإذا لم يكن هو في نفسه قابلًا للتفاوت استحال وقوع التفاوت في التأثير فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>