مع جواز وقوعه على خلاف تلك الكيفية والكمية؛ فلابد وأن يكون ذلك الاختصاص لمخصص؛ إذ لو عقل الاختصاص، لا لمخصص، لعقل اختصاص حدوث العالم بوقت معين، وقدر معين، مع جواز وقوعه، لا على هذا الوجه، لا لمخصص، وذلك يقتضي القدح في دليل إثبات الصانع؛ فثبت أنه لابد لفعل العبد من مخصص، والتخصيص مسبوق بالعلم؛ فإن التخصيص عبارة عن القصد إلى إيقاعه؛ على ذلك الوجه، والقصد إلى إيقاعه على ذلك الوجه مشروط بالشعور بذلك الوجه، فالغافل عن الشيء استحال منه القصد إلى إيقاعه، فثبت أنه لو كان موجدًا لأفعال نفسه، لكان عالمًا بتفاصيل أفعاله.
وإنما قلنا:(إنه غير عالم بتفاصيل أفعاله) لأن النائم فاعل، مع أنه لا يخطر بباله شيء من تلك التفاصيل، بل اليقظان يفعل أفعالًا كثيرة، مع أنه لا يخطر بباله كيفية تلك الأفعال؛ فإن من فعل حركة بطيئة، فذلك البطء: إنما أن يكون عبارة عن تحلل السكنات، أو عن كيفية قائمة الحركة: فإن كان الأول: فالفاعل للحركة البطيئة فاعل في بعض الأحيان حركة، وفي بعضها سكونًا، مع أنه لم يخطر بباله ذلك.
وإن كان الثاني: كان قد فعل حركة، وفعل فيها عرضًا آخر.
ثم ذلك البطء له درجات مختلفة، فهو قد فعل عرضًا مخصوصًا في عرض آخر، مع جواز أن يحصل سائر مراتب البطء، مع أنه لم يخطر بباله شيء من ذلك، فعلمنا أنه قد يفعل ما لم يخطر بباله؛ فثبت بهذه الدلالة أن العبد غير موجد لأفعال نفسه.