والجواب عن الأول: أن ها هنا احتمالا آخر، وهو ألا يكون الحكمان متنافيين؛ فلا جرم يصح حصولهما في الأصل، لكن دل دليل منفصل على امتناع اجتماعهما في الفرع، فإذا بين القالب: أن الوصف الحاصل في الفرع ليس بأن يقتضي أحد الحكمين أولى من الآخر، كان الأصل شاهدا لهما الاعتبار؛ لما بينا أنه لا منافاة بينهما في الأصل- ويقتضي امتناع حصول الحكم في الفرع لما أنه ليس حصول أحدهما أولى من الآخر، وقد قامت الدلالة على امتناع حصولهما في الفرع، وهذا الكلام كما أنه جواب عن شبهة المنكر، فهو دليل ابتداء على إمكان القلب.
وعن الثاني: أن المناسبة قد لا تكون حقيقة، بل إقناعية، فبالقلب ينكشف أنها ما كانت حقيقة.
المسالة الثالثة: القلب معارضة، إلا في أمرين:
أحدهما: أنه لا يمكن فيه الزيادة في العلة، وفي سائر المعارضات يمكن.
الثاني: أنه لا يمكن منع وجود العلة في الفرع والأصل؛ لأن أصله وفرعه هو أصل المعلل وفرعه، ويمكن ذلك في سائر المعارضات.
وأما فيما وراء هذين الوجهين، فلا فرق بينه وبين المعارضة؛ فعلى هذا: للمستدل أن يمنع حكم القالب في الأصل، وأن يقدح في تأثير العلة فيه بالنقض، وعدم التأثير، وأن يقول بموجبه، إذا أمكنه بيان أن اللازم من ذلك القلب لن ينافي حكمه، وأن يقلب قلبه، أذا لم يكن قلب القالب مناقضا للحكم؛ لأن قلب القالب، إذا فسد بالقلب الثاني، سلم أصل القياس من القلب.