قال الرازي: الوصف الحقيقي إذا كان ظاهرا مضبوطا، جاز التعليل به، أما الذي لا يكون كذلك؛ مثل الحاجة إلى تحصيل المصلحة، ودفع المفسدة، وهي التي يسميها الفقهاء بالحكمة، فقد اختلفوا في جواز التعليل به، والأقرب جوازه.
لنا: أنا إذا ظننا استناد الحكم المخصوص في مورد النص إلى الحكمة المخصوصة، ثم ظننا حصول تلك الحكمة في صورة أخرى تولد؛ لا محالة، من ذينك الظنين- ظن حصول الحكم في تلك الصورة، والعمل بالظن واجب؛ على ما تقدم.
فإن قيل: لا نزاع في أنه لو حصل ظن تعليل الحكم في الأصل بتلك الحكمة، ثم حصل ظن حصول تلك الحكمة في صورة أخرى- أنه يلزم حصول مثل حكم الأصل في تلك الصورة الأخرى، لكن النزاع في أن ذينك الظنين، هل هما ممكنا الحصول، أم لا؟ وأنتم ما دللتم على جوازه، ونحن نبين امتناعه من وجوه:
الأول: أن الحكم: إما أن يعلل بالحاجة المطلقة، أو يعلل بالحاجة المخصوصة:
والأول: باطل؛ وإلا لكان كل حاجة معتبرة.
والثاني أيضا: باطل؛ لأن الحاجة أمر باطن؛ فلا يمكن الوقوف على مقاديرها، وامتياز كل واحدة من مراتبها التي لا نهاية لها عن المرتبة الأخرى، وإذا تعذر، تعيينه تعذر التعليل بذلك المتعين.