الثاني: لو صح تعليل الحكم بالحكمة، لما صح تعليله بالوصف، وتعليله بالوصف جائز، فتعليله بالحكمة غير جائز.
بيان الملازمة: أن شرع الحكم لابد وأن يكون لفائدة عائدة إلى العبد، لانعقاد الإجماع على أن الشرائع مصالح، إما وجوبا؛ كما هو قول المعتزلة، أو تفضلا؛ كما هو قولنا.
وإذا كان كذلك، فالمؤثر الحقيقي في الحكم هو الحكمة: أما الوصف، فليس بمؤثر ألبتة، وإنما جعل مؤثرا؛ لاشتماله على الحكمة التي هي المؤثرة، إذا ثبت هذا، فنقول: لو أمكن استناد الحكم إلى الحكمة، لما جاز استناده إلى الوصف؛ لان كل ما يقدح في استناده إلى الحكمة يقدح في استناده إلى الوصف؛ لأن القادح في الأصل قادح في الفرع، وقد يوجد ما يقدح في الوصف، ولا يكون قادحا في الحكمة؛ لأن القادح في الفرع قد لا يكون قادحا في الأصل، فاستناد الحكم إلى الوصف، مع إمكان استناده إلى الحكمة- تكثير لإمكان الغلط من غير حاجة إليه؛ وإنه لا يجوز، ولما رأينا أنه جاز التعليل بالوصف علمنا أنه إنما جاز؛ لتعذر التعليل بالحكمة.
الثالث: لو جاز التعليل بالحكمة، لوجب طلب الحكمة، والطلب لها غير واجب، فالتعليل بها غير جائز.
بيان الملازمة: أن المجتهد مأمور بالقياس عند فقدان النص، ولا يمكنه القياس إلا عند وجدان العلة، ولا يمكنه وجدانها إلا بعد الطلب، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب؛ فإذن: طلب العلة واجب، وإذا كانت الحكمة علة، كان طلبها واجبا.